الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ومعنى تسليم الخزنة الإكرام والتهنئة بأنهم سلموا من أحوال الدنيا وأهوال القيامة. ومعنى {طبتم} قيل: إخبارهم عن كونهم طيبين في الدنيا بالأفعال الصالحة والأخلاق الفاضلة، أو طبتم نفسًا بما نلتم من الجنة ونعيمها. وقيل: إن أهل الجنة إذا انتهوا إلى بابها وجدوا عنده عينين تجريان من ساق شجرة فيتطهرون من إحداهما فتجري عليهم نضرة النعيم فلن تتغير أبشارهم بعدها أبدًا، ويشربون من الأخرى فيذهب ما في بطونهم من أذى وقذى فيقول لهم الخزنة: طبتم. وقال جار الله: أرادوا طبتم من دنس المعاصي وطهرتم من خبث الخطايا، ولهذا عقبه بقوله: {فادخلوها خالدين} ليعلم أن الطهارة عن المعاصي هي السبب في دخول الجنة والخلود فيها لأنها دار طهرها الله من دنس فلا يدخلها إلا من هو موصوف بصفتها رزقنا الله تعالى بعميم فضله وحسن توفيقه نسبة توجب ذلك. ثم حكى قول المتقين في الجنة فقال: {وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده} أي الوعد بدخول الجنة {وأورثنا الأرض} أرض الجنة عبر عن التمليك بالإيراث وقد مرّ مرارًا {نتبوّأ منها حيث نشاء} لأن لكل متق جنة توصف سعة فيتبوّأ من جنته كما يريد من غير منازع. وقال حكماء الإسلام: الجنات الجسمانية كذلك، أما الروحانية فلا مانع فيها من المشاركة وأن يحصل لغيره ما يحصل لبعض الأشخاص. ثم وصف مآب الملائكة المقربين بعد بعثهم فقال: {وترى} أيها الرائي أو النبي {الملائكة حافين} محدّقين وهو نصب على الحال. قال الفراء: لا واحد له لأنه لابد فيه من الجمعية. وأقول: لعله عني من حيث الاستعمال. وقيل: الحاف بالشيء الملازم له. وقوله: {من حول العرش} من زائدة أو ابتدائية أي مبتدأ خوفهم من هناك إلى حيث شاء الله أو متصل بالرؤية {يسبحون بحمد ربهم} تلذذًا لا تعبدًا. وكان جوانب العرش دار ثواب الملائكة وإنها ملاصقة لجوانب الجنة.والضمير في قوله: {وقضي بينهم} للعباد كلهم لقرائن ذكر القيامة فإن إدخال بعضهم النار وبعضهم الجنة لا يكون الإقضاء بينهم بالحق والعدل. وقيل: بين الأنبياء وأممهم. وقيل: تكرار لقوله: {وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق} وقيل: هو حال وقد مقدرة معه أي يسبحون بحمد ربهم وقد قضى بينهم يعني بين الملائكة على أن ثوابهم ليس على سنن واحد. ويحتمل عندي أن يعود الضمير إلى البشر والملائكة جميعًا، والقضاء بينهم هو إنزال البشر مقامهم من الجنة أو النار، وإنزال الملائكة حول العرش. ثم ختم السورة بقوله: {وقيل الحمد لله} والقائل المقضي بينهم وهم جميع العباد كقوله: {وآخر دعواهم أن الحمد لله} [يونس: 10] جميع الملائكة حمدوا الله على إنزال كلّ منزلته. اهـ.
أي: فإنه لم يصرح بثبوت هذه الصفات المذكورة لابن الحشرج بل كنى عن ذلك في قبة مضروبة عليه فأفاد اثباتها له، والقبة تكون فوق الخيمة تتخذها الرؤساء، وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة والدوري عن أبي عمرو بين بين وورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح {وإن} أي: والحال إني {كنت} أي: كان ذلك في طبعي {لمن الساخرين} أي: المستهزئين المتكبرين المنزلين أنفسهم في غير منزلتها وذلك أنه ما كفاني المعصية حتى كنت أسخر من أهل الطاعة أي: تقول هذا لعله يقبل منها ويعفى عنها على عادة المعترفين في وقت الشدائد لعلهم يعاودون إلى أجمل العوائد. الثاني من الكلمات التي حكاها الله تعالى عنهم بعد نزول العذاب عليهم: ما ذكره الله تعالى بقوله سبحانه: {أو تقول} أي: تلك النفس المفرطة {لو أن الله} أي: الذي له القدرة الكاملة والعلم الشامل {هداني} أي: لبيان الطريق {لكنت من المتقين} أي: الذين لا يقدمون على فعل إلا ما يدلهم عليه دليل. الثالث من الكلمات ما ذكره الله تعالى بقوله سبحانه: {أو تقول} أي: تلك النفس المفرطة {حين ترى العذاب} أي: الذي واجهها عيانًا {لو أن} أي: يا ليت {لي كرة} أي: رجعة إلى دار العمل {فأكون} أي: يتسبب عن رجوعي إليها أن أكون {من المحسنين} أي: العاملين بالإحسان الذي دعا إليه القرآن.تنبيه:في نصب فأكون وجهان أحدهما: عطفه على كرة فإنها مصدر فعطف مصدر مؤول على مصدر مصرح به كقولها: والثاني: أنه منصوب على جواب التمني المفهوم من قوله تعالى: {لو أن لي كرة} والفرق بين الوجهين أن الأول: يكون فيه الكون متمنى ويجوز أن تضمر أن وأن تظهر، والثاني: يكون فيه الكون مترتبًا على حصول المتمنى لا متمنى ويجب أن تضمر أن. ثم أجاب الله تعالى هذا القائل بقوله سبحانه: {بلى قد جاءتك أياتي} أي: القرآن وهي سبب الهداية {فكذبت بها} أي: قلت ليست من عند الله {واستكبرت} أي: تكبرت عن الإيمان بها {وكنت من الكافرين}.فإن قيل: هلا قرن الجواب بما هو جواب له وهو قوله: {لو أن الله هداني} ولم يفصل بينهما؟أجيب: بأنه لا يخلو إما أن يقدم على أخرى القرائن الثلاث فيفرق بينهن وإما أن تؤخر القرينة الوسطى، فلم يحسن الأول لما فيه من تبتير النظم بالجمع بين القرائن، وأما الثاني فيه من نقض الترتيب وهو التحسر على التفريط في الطاعة ثم التعلل بفقد الهداية، ثم تمنى الرجعة فكان الصواب ما جاء عليه وهو أنه حكى أقوال النفس على ترتيبها ونظمها ثم أجاب من بينها عما اقتضى الجواب، فإن قيل: كيف صح أن تقع بلى جوابًا لغير منفي؟أجيب: بأن قوله: {لو أن الله هداني} بمعنى ما هديت.{ويوم القيامة} أي: الذي لا يصح في الحكمة تركه {ترى} أي: أيها المحسن {الذين كذبوا على الله} أي: الحائز لجميع صفات الكمال بنسبة الشريك والولد إليه، وقال الحسن: هم الذين يقولون إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل، قال البقاعي: وكأنه عنى من المعتزلة الذين اعتزلوا مجلسه وابتدعوا قولهم إنهم يخلقون أفعالهم قال: ويدخل فيه من تكلم في الدين بجهل وكل من كذب وهو يعلم أنه كاذب في أي شيء كان، فإنه من حيث إن فعله فعل من يظن أن الله تعالى لا يعلم كذبه أي: ولا يقدر على جزائه كأنه كذب على الله وقوله تعالى: {وجوههم مسودة} جملة من مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال من الموصول لأن الرؤية بصرية وقيل: في محل نصب مفعولًا ثانيًا لأن الرؤية قلبية، ورد بأن تعلق الرؤية البصرية بالأجسام وألوانها أظهر من تعلق القلبية بهما، وذكر أن هذا السواد مخالف لسائر أنواع السواد {أليس في جهنم مثوى} أي: مأوى {للمتكبرين} أي: الذين تكبروا على اتباع أمر الله تعالى وهو تقرير لأنهم يرونه كذلك.ولما ذكر الله تعالى الذين أشقاهم أتبعهم حال الذين أسعدهم بقوله تعالى: {وينجي الله} أي: يفعل بما له من صفات الكمال في نجاتهم فعل المبالغ في ذلك {الذين اتقوا} أي: بالغوا في وقاية أنفسهم من غضبه فكما وقاهم في الدنيا من المخالفات حماهم هنا من العقوبات {بمفازتهم} أي: بسبب فلاحهم لأن العمل الصالح سبب الفلاح وهو دخول الجنة، ويجوز أن يسمى العمل الصالح في نفسه مفازة لأنه سببها، وقرأ حمزة والكسائي وشعبة بألف بعد الزاي جمعًا على أن لكل متق مفازة، والباقون بغير ألف بعد الزاي إفرادًا وقوله تعالى: {لا يمسهم السوء} جملة مفسرة لمفازتهم كأنه قيل: وما مفازتهم؟ فقال: لا يمسهم السوء فلا محل لها، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من الذين اتقوا، ومعنى الكلام لا يمسهم مكروه {ولا هم يحزنون} أي: ولا يطرق بواطنهم حزن على فائت لأنه لا يفوت لهم شيء أصلًا.ولما كان المخوف منه والمحزون عليه جامعين لكل ما في الكون فكان لا يقدر على دفعهما إلا القادر المبدع القيوم قال تعالى مستأنفًا أو معللًا، مظهرًا الاسم الأعظم تعظيمًا للمقام: {الله} أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا والذي نجاهم {خالق كل شيء} أي: من خير وشر وإيمان وكفر فلا يكون شيء أصلًا إلا بخلقه.ولما دل هذا على القدرة الشاملة وكان لابد معها من العلم الكامل قال تعالى: {وهو على كل شيء} أي: مع القهر والغلبة {وكيل} أي: حفيظ لجميع ما يريده قيوم لا عجز يلم بساحته ولا غفلة وقوله تعالى: {له مقاليد السموات والأرض} جملة مستأنفة والمقاليد جمع مقلاد مثل مفتاح ومفاتيح أو مقليد مثل منديل ومناديل أي: هو مالك أمرها وحافظها وهي من باب الكناية لأن حافظ الخزائن ومدبر أمرها هو الذي يملك مقاليدها، ومنه قولهم فلان ألقيت إليه مقاليد الملك وهي المفاتيح والكلمة أصلها فارسية، فإن قيل: ما للكتاب المبين والفارسية؟
|